نصيحة عاجلة إلى كل مبتعد عن والديه أن يرجع إليهما قبل وفاتهما
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نصيحة عاجلة إلى كل مبتعد عن والديه أن يرجع إليهما قبل وفاتهما
نصيحة عاجلة إلى كل مبتعد عن والديه أن يرجع إليهما قبل وفاتهما
بسم الله الرحمن الرحيم
من مَحمد باي بن الحاج عمر بن مالك، إلى أخي ورفيقي في الصغر قبل الكبر:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلاما ملؤه التحية والإكرام والمودّة والمبرّة والتقدير والاحترام، وبعد:
تعلم يا أخي العزيز أننا قضينا عمرا ، لا نفترق، ومضى وانتهى، وبدأت بعده مدة أخرى لم نلتق فيها أكثر من عشر دقائق في العام، وكأننا أصبحنا أبعد المتباعدين، أو لم نكن أبدا من المتعارفين، باستثناء رسائل معدودة على رؤوس الأصابع تبادلناها لما كنتَ تدرس في الجامعة، ثم انقطع كلُّ شيء، وكأنه لا يربطنا شيء، لو تعلم كم تتقطع لفراقك القلوب، وكم تضيق لبعدك الصدور، لما زادت المدة بين اتصالاتك على الأسبوع إن زادت على اليوم، ولكن وارفيقاه، ورغم ذلك كله، فإني أقول لك: (فما لِجرح إذا أرضاكم ألم).
لكن ما يؤلمني حقاّ، ويزيد حسرتي وتأسفي، انقطاع اتصالاتك عن من هما سبب وجودك في الدنيا، نعم، ومن هما سبب دخولك الجنة أو النار بعد مغادرة الدنيا، وأهديك نصيحتي التالية قبل فوات الأوان، من قلب يتحرق وأحشاء تتمزق، وجفون تكاد من البكاء تتشقق:
فرحــــــم الله الــذي أبكانـــــي لكـن إلي الخيرات قد هداني
وخـــاب من أضحكني بالباطل وقـــــادني لطـــرق الرذائـــل
ولولا محبة الخير لك ما كتبت لك حرفا واحدا، والدين النصيحة، ولا خير في قوم لا يتناصحون، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة، نعم إنهما والداك، وأنت على أعتاب الأربعين، وهما من بين الستين والسبعين، أنت تجاوزت منتصف العمر، وهما وصلا إلى آخر العمر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين) ، وكان الأجدر بك أن تكون كما قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [سورة الأحقاف]
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولدهما) وجاء عنه أيضا: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد). بل الإحسان إليهما من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، قال تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً)[البقرة].
وأنت تعلم قصة علقمة الذي خرس لسانه عن الشهادة رغم كثرة صلاته وصيامه وصدقته، خرس لسانه عن الشهادة بسبب غضب أمّه عليه، ولم يستطع التلفظ بها إلا بعد أن رضيت عنه أمّه، ثم وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على شفير قبره لما دفن، وقال: (يا معشر المهاجرين والأنصار، من آثر زوجته على أمَّه فله النار).
ولله درُّ من قال:
لأُمِـكَ حَــــقُّ لو عَلِمْـتَ كبيــــــرُ كثيـرُكَ يا هـذا لديْـهِ يسِيـــــــــرُ
فَكَمْ ليْلــــةٍ باتَــتْ بثِقَـلِكَ تشْتــكِـي لهـا مِنْ جَواهَـا أنَّـةٌ وزَفيـــــــرُ
وفي الوْضْعِ لا تَدْري علَيْها مشَقَّةٌ فَمِـنْ غُصَصٍ مِنْها الفُؤادُ يَطِيرُ
وكَمْ غَسَّلْتْ عنْكَ الأذَى بِيَمِينِهــــا ومَا حِجْرُهـا إلاَّ لدَيْـكَ سَريــــرُ
وتُفَدِّيكَ مِمَّا تَشْتكيـــــــــهِ بِنفْسِهــا ومِنْ ثَدْيها شَرابٌ لَدَيْكَ نَمِيـــــر
وكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وأعْطَتكَ قُوتَهـــا حُنُـوّاً وإشْفَاقًا وأنْتَ صَغيـــــــرُ
فَضَيَّعْتها لمَّــــا أسَـأْتَ جَهَالـــــــةً وطَالَ عَليْكَ الأمْرُ وهوَ قَصِيــرُ
فَـآهٍ لِذِي عَقْــــــــلٍ ويَتَّبِعُ الهـــوى وآهٍ لأعْمَى القَلْبِ وهوَ بَصيـــرُ
فَدُونَكَ فَارْغَبْ في عَمِيمِ دُعائـــها فَأنتَ لَمَا تَدْعُـو إليـهِ فقِيـــــــــرُ
وهذه القصيدة التالية سمعناها مرات عديدة من شيخنا الفاضل الشيخ محمد باي بلعالم رحمه الله تعالى: يقول الشيخ سيدي ايداوعلي الشنقيطي التواتي في قصيدة أرسلها إلى ابنه عندما هاجر ابنه إلى السودان للتجارة وتركه من دون مساعد:
أيا ولدي يلومك من يـــــلــــــوم وتجتنبك الخصوص والعموم
بتركك والدا ربـَّـــــاك طفــــــلا وتـــرْكُ مبرَّة الآباء شُــــــوم
أتهجرني وأنت ربيع قلــــــــبـي فيا ولدي إني بكم رحيــــــــم
أتتركني ضعيف الجسم أعمـــى ولم تشغلك يا ولدي علــــــوم
أراك بالنعيم شغلت عـــــــــنــي نعيم الـــدار ويحك لا يــــدوم
فلا تقطع زمانك في عقـــوقـــي فتفسد ما تصلي وما تصــــوم
فالله، الله، أخي بادر قبل الفوات، وأدرك والديك قبل الممات، فإنهما أرحم وأشفق بك من غيرهما، ولو كان مخلوق أرحم من الوالدين لما قارن الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة الله برحمتهما، في قوله: (للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها)، وأسوق إليك القصة التالية:
امرأة عجوز ذهب بها ابنها إلى الوادي عند الذئاب يريد الانتقام منها، وتسمع المرأة أصوات الذئاب، فلما رجع الابن ندم على فعلته فرجع وتنكر في هيئةٍ حتى لا تعرفه أمه، فغيَّر صوته وغير هيئته، فاقترب منها، قالت له يا أخ : لو سمحت هناك ولدي ذهب من هذا الطريق انتبه عليه لا تأكله الذئاب...!
وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى امرُؤ يوماً غلاماً جاهـلاً بنقوده كي مـا يحيق بـه الضــــرر
قال ائتني بفـؤاد أمك يـــــا فتى ولك الجواهر والدراهـم والــــدُّرر
فأتى فأغرز خنجراً في قلبهـــا والقلب أخرجـه وعــــاد على الأثر
ولكنه من فـرط سرعته هــوى فتدحــــــرج القـلـب المعفـر بالأثـر
ناداه قلب الأم وهــــــــو معفـر ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
وأدرج لك بين طيات رسالتي بعض ما قيل في الصداقة:
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك و من يضُرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزّمان صدعك شتّت فيك شمْلَــه ليجمعك
***
إِذا الإِخوانُ فاتَهُــــمُ التَلاقـــي فَما شَيءٌ أَسَرُّ مِنَ الكِتابِ
وَإِن كَتَبَ الصَديقُ إِلى صَديقٍ فَحَقُّ كِتابِهِ رَدُّ الجَــــوابِ
***
أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
***
إذا أنتَ لم تشرب مراراً على القذى ظمئتَ وأيُّ الناس تصفو مشاربه
فعش واحداً أو صِل أخاك فإنّــه مقارف ذنبٍ مرّةً ومجـــانبـه
ومن ذا الذي تُـرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبــه
إذا كنتَ في كـل الأمــور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعـاتبـه
***
كم صديـــق عرفته بصديــق صار أحظى من الصديق العتيقِ
ورفيق رأيته في طريق صــار عنــــدي هو الصديق الحقيقــــي
***
وما المـرء إلا بإخوانـــــــــه كما يقبض الكف بالمعصــم
ولا خير في الكف مقطوعــة ولا خير في الساعــد الأجذم
وقال زياد: خير ما اكتسب المرء الإخوان فإنهم معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان وعون في السراء والضراء ومن كلام علي رضي الله عنه وكرم وجهه:
عليك بإخوان الصفاء فإنهــم عماد إذا استنجدتهم وظهور
وإنّ قليلا ألف خِلٍّ وصاحب وإن عَدُواً واحـــــــدا لَكثيــر
وقال أبو تمام
مَــن لي بإنسان إذا أغضبتــه وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفـه وبقَلْـبِـه ولعلَّــه أدرى بـــــــه
وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يسد خُلّتي، ويغفر زلّتي، ويقيل عثرتي.
وقيل: من لا يؤاخي إلاّ مَن لا عيب فيه، قلَّ صديقة، ومن لم يرض مِن صديقة إلا بإيثاره على نفسه، دام سخطه، ومن عاتب على كلِّ ذنب، ضاع عُتبه، وكثر تعبه.
وقيل:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي وشـرقني على ظمإ بريقـي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظـي مخافة أن أعيش بلا صديق
وقال آخر:
إذا ما طاش حلمك عن عـدو وهان عليك هجران الصديــق
فلست إذا أخا عفو وصفـــح لأخ عـلــى عهــــــد وثيــــــق
إذا زل الرفيق وأنت مـمـــن بــــلا رِفْق بقيت بلا رفيــــق
إذا أنت اتخذت أخــا جديــــدا لِما أنكرت مِــن خُلق عتيـــق
فما تدري لعلك مستجيــــــــر من الرمضاء فر إلى الحريـق
فكم من سالك لطريق أمــــــن أتاه ما يحــاذر في الطريــــق
وقال الموصلي:
فسدَتْ لطول بعادكـم أحلامنــا وعقولنا وجفا الجفون منــام
والطيف قد وعد الجفون بزورة يا حبذا إن صحت الأحــلام
أخي الكريم: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، وأرجو أن تتقبل كلامي، وتسامحني على ما لم يعجبك منه، { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [الشورى:40]. وأتمنى لك من خالص نيتي وأعماق قلبي حياة آمنة مطمئنة، وعيشة هنيئة وخاتمة حسنة، والسلام كما بدأ يعود من أخيك ورفيقك: مَحمد باي بن عمر بن مالك، وكتب في ساهل أقبلي يوم الخميس 12 ذي الحجة 1431هـ، الموافق لـ 18 نوفمبر 2010م.
فلقـــد نصحتــك إن قبلــت نصيحتـي والنصـح أغلى ما يبــاع و يوهـــب
بسم الله الرحمن الرحيم
من مَحمد باي بن الحاج عمر بن مالك، إلى أخي ورفيقي في الصغر قبل الكبر:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلاما ملؤه التحية والإكرام والمودّة والمبرّة والتقدير والاحترام، وبعد:
تعلم يا أخي العزيز أننا قضينا عمرا ، لا نفترق، ومضى وانتهى، وبدأت بعده مدة أخرى لم نلتق فيها أكثر من عشر دقائق في العام، وكأننا أصبحنا أبعد المتباعدين، أو لم نكن أبدا من المتعارفين، باستثناء رسائل معدودة على رؤوس الأصابع تبادلناها لما كنتَ تدرس في الجامعة، ثم انقطع كلُّ شيء، وكأنه لا يربطنا شيء، لو تعلم كم تتقطع لفراقك القلوب، وكم تضيق لبعدك الصدور، لما زادت المدة بين اتصالاتك على الأسبوع إن زادت على اليوم، ولكن وارفيقاه، ورغم ذلك كله، فإني أقول لك: (فما لِجرح إذا أرضاكم ألم).
لكن ما يؤلمني حقاّ، ويزيد حسرتي وتأسفي، انقطاع اتصالاتك عن من هما سبب وجودك في الدنيا، نعم، ومن هما سبب دخولك الجنة أو النار بعد مغادرة الدنيا، وأهديك نصيحتي التالية قبل فوات الأوان، من قلب يتحرق وأحشاء تتمزق، وجفون تكاد من البكاء تتشقق:
فرحــــــم الله الــذي أبكانـــــي لكـن إلي الخيرات قد هداني
وخـــاب من أضحكني بالباطل وقـــــادني لطـــرق الرذائـــل
ولولا محبة الخير لك ما كتبت لك حرفا واحدا، والدين النصيحة، ولا خير في قوم لا يتناصحون، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة، نعم إنهما والداك، وأنت على أعتاب الأربعين، وهما من بين الستين والسبعين، أنت تجاوزت منتصف العمر، وهما وصلا إلى آخر العمر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين) ، وكان الأجدر بك أن تكون كما قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [سورة الأحقاف]
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولدهما) وجاء عنه أيضا: (رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد). بل الإحسان إليهما من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، قال تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً)[البقرة].
وأنت تعلم قصة علقمة الذي خرس لسانه عن الشهادة رغم كثرة صلاته وصيامه وصدقته، خرس لسانه عن الشهادة بسبب غضب أمّه عليه، ولم يستطع التلفظ بها إلا بعد أن رضيت عنه أمّه، ثم وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على شفير قبره لما دفن، وقال: (يا معشر المهاجرين والأنصار، من آثر زوجته على أمَّه فله النار).
ولله درُّ من قال:
لأُمِـكَ حَــــقُّ لو عَلِمْـتَ كبيــــــرُ كثيـرُكَ يا هـذا لديْـهِ يسِيـــــــــرُ
فَكَمْ ليْلــــةٍ باتَــتْ بثِقَـلِكَ تشْتــكِـي لهـا مِنْ جَواهَـا أنَّـةٌ وزَفيـــــــرُ
وفي الوْضْعِ لا تَدْري علَيْها مشَقَّةٌ فَمِـنْ غُصَصٍ مِنْها الفُؤادُ يَطِيرُ
وكَمْ غَسَّلْتْ عنْكَ الأذَى بِيَمِينِهــــا ومَا حِجْرُهـا إلاَّ لدَيْـكَ سَريــــرُ
وتُفَدِّيكَ مِمَّا تَشْتكيـــــــــهِ بِنفْسِهــا ومِنْ ثَدْيها شَرابٌ لَدَيْكَ نَمِيـــــر
وكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وأعْطَتكَ قُوتَهـــا حُنُـوّاً وإشْفَاقًا وأنْتَ صَغيـــــــرُ
فَضَيَّعْتها لمَّــــا أسَـأْتَ جَهَالـــــــةً وطَالَ عَليْكَ الأمْرُ وهوَ قَصِيــرُ
فَـآهٍ لِذِي عَقْــــــــلٍ ويَتَّبِعُ الهـــوى وآهٍ لأعْمَى القَلْبِ وهوَ بَصيـــرُ
فَدُونَكَ فَارْغَبْ في عَمِيمِ دُعائـــها فَأنتَ لَمَا تَدْعُـو إليـهِ فقِيـــــــــرُ
وهذه القصيدة التالية سمعناها مرات عديدة من شيخنا الفاضل الشيخ محمد باي بلعالم رحمه الله تعالى: يقول الشيخ سيدي ايداوعلي الشنقيطي التواتي في قصيدة أرسلها إلى ابنه عندما هاجر ابنه إلى السودان للتجارة وتركه من دون مساعد:
أيا ولدي يلومك من يـــــلــــــوم وتجتنبك الخصوص والعموم
بتركك والدا ربـَّـــــاك طفــــــلا وتـــرْكُ مبرَّة الآباء شُــــــوم
أتهجرني وأنت ربيع قلــــــــبـي فيا ولدي إني بكم رحيــــــــم
أتتركني ضعيف الجسم أعمـــى ولم تشغلك يا ولدي علــــــوم
أراك بالنعيم شغلت عـــــــــنــي نعيم الـــدار ويحك لا يــــدوم
فلا تقطع زمانك في عقـــوقـــي فتفسد ما تصلي وما تصــــوم
فالله، الله، أخي بادر قبل الفوات، وأدرك والديك قبل الممات، فإنهما أرحم وأشفق بك من غيرهما، ولو كان مخلوق أرحم من الوالدين لما قارن الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة الله برحمتهما، في قوله: (للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها)، وأسوق إليك القصة التالية:
امرأة عجوز ذهب بها ابنها إلى الوادي عند الذئاب يريد الانتقام منها، وتسمع المرأة أصوات الذئاب، فلما رجع الابن ندم على فعلته فرجع وتنكر في هيئةٍ حتى لا تعرفه أمه، فغيَّر صوته وغير هيئته، فاقترب منها، قالت له يا أخ : لو سمحت هناك ولدي ذهب من هذا الطريق انتبه عليه لا تأكله الذئاب...!
وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى امرُؤ يوماً غلاماً جاهـلاً بنقوده كي مـا يحيق بـه الضــــرر
قال ائتني بفـؤاد أمك يـــــا فتى ولك الجواهر والدراهـم والــــدُّرر
فأتى فأغرز خنجراً في قلبهـــا والقلب أخرجـه وعــــاد على الأثر
ولكنه من فـرط سرعته هــوى فتدحــــــرج القـلـب المعفـر بالأثـر
ناداه قلب الأم وهــــــــو معفـر ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
وأدرج لك بين طيات رسالتي بعض ما قيل في الصداقة:
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك و من يضُرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزّمان صدعك شتّت فيك شمْلَــه ليجمعك
***
إِذا الإِخوانُ فاتَهُــــمُ التَلاقـــي فَما شَيءٌ أَسَرُّ مِنَ الكِتابِ
وَإِن كَتَبَ الصَديقُ إِلى صَديقٍ فَحَقُّ كِتابِهِ رَدُّ الجَــــوابِ
***
أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما
***
إذا أنتَ لم تشرب مراراً على القذى ظمئتَ وأيُّ الناس تصفو مشاربه
فعش واحداً أو صِل أخاك فإنّــه مقارف ذنبٍ مرّةً ومجـــانبـه
ومن ذا الذي تُـرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبــه
إذا كنتَ في كـل الأمــور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعـاتبـه
***
كم صديـــق عرفته بصديــق صار أحظى من الصديق العتيقِ
ورفيق رأيته في طريق صــار عنــــدي هو الصديق الحقيقــــي
***
وما المـرء إلا بإخوانـــــــــه كما يقبض الكف بالمعصــم
ولا خير في الكف مقطوعــة ولا خير في الساعــد الأجذم
وقال زياد: خير ما اكتسب المرء الإخوان فإنهم معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان وعون في السراء والضراء ومن كلام علي رضي الله عنه وكرم وجهه:
عليك بإخوان الصفاء فإنهــم عماد إذا استنجدتهم وظهور
وإنّ قليلا ألف خِلٍّ وصاحب وإن عَدُواً واحـــــــدا لَكثيــر
وقال أبو تمام
مَــن لي بإنسان إذا أغضبتــه وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفـه وبقَلْـبِـه ولعلَّــه أدرى بـــــــه
وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يسد خُلّتي، ويغفر زلّتي، ويقيل عثرتي.
وقيل: من لا يؤاخي إلاّ مَن لا عيب فيه، قلَّ صديقة، ومن لم يرض مِن صديقة إلا بإيثاره على نفسه، دام سخطه، ومن عاتب على كلِّ ذنب، ضاع عُتبه، وكثر تعبه.
وقيل:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي وشـرقني على ظمإ بريقـي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظـي مخافة أن أعيش بلا صديق
وقال آخر:
إذا ما طاش حلمك عن عـدو وهان عليك هجران الصديــق
فلست إذا أخا عفو وصفـــح لأخ عـلــى عهــــــد وثيــــــق
إذا زل الرفيق وأنت مـمـــن بــــلا رِفْق بقيت بلا رفيــــق
إذا أنت اتخذت أخــا جديــــدا لِما أنكرت مِــن خُلق عتيـــق
فما تدري لعلك مستجيــــــــر من الرمضاء فر إلى الحريـق
فكم من سالك لطريق أمــــــن أتاه ما يحــاذر في الطريــــق
وقال الموصلي:
فسدَتْ لطول بعادكـم أحلامنــا وعقولنا وجفا الجفون منــام
والطيف قد وعد الجفون بزورة يا حبذا إن صحت الأحــلام
أخي الكريم: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، وأرجو أن تتقبل كلامي، وتسامحني على ما لم يعجبك منه، { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [الشورى:40]. وأتمنى لك من خالص نيتي وأعماق قلبي حياة آمنة مطمئنة، وعيشة هنيئة وخاتمة حسنة، والسلام كما بدأ يعود من أخيك ورفيقك: مَحمد باي بن عمر بن مالك، وكتب في ساهل أقبلي يوم الخميس 12 ذي الحجة 1431هـ، الموافق لـ 18 نوفمبر 2010م.
فلقـــد نصحتــك إن قبلــت نصيحتـي والنصـح أغلى ما يبــاع و يوهـــب
بوزيان13- عدد المساهمات : 295
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 13/03/2011
العمر : 51
الموقع : salman@aloadah.com
رد: نصيحة عاجلة إلى كل مبتعد عن والديه أن يرجع إليهما قبل وفاتهما
فرحــــــم الله الــذي أبكانـــــي لكـن إلي الخيرات قد هداني
وخـــاب من أضحكني بالباطل وقـــــادني لطـــرق الرذائـــل
وخـــاب من أضحكني بالباطل وقـــــادني لطـــرق الرذائـــل
رد: نصيحة عاجلة إلى كل مبتعد عن والديه أن يرجع إليهما قبل وفاتهما
جزاكم الله خيرا وبوأنا الله واياكم من الجنة مرفقا
BàRçà_LotFi- عدد المساهمات : 272
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 17/03/2011
العمر : 33
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى