خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
صفحة 1 من اصل 1
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد
لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :
أيها الإخوة الكرام وقفة نقفها متأملين في قول ربنا عز وجل { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
فهذه
الآية المباركة العظيمة أتت - كما قال أهل العلم - على جماع الأخلاق وزمام
الآداب ، ومن وفقه الله عز وجل بتدبر هذه الآية وفهمها والعمل بها وُفق
بجماع الخلق ووفق بزمام الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في تعاملاته
مع الناس
ومن
زينة شريعتنا شريعة الإسلام وجمالها وكمالها أنها هدت العباد إلى الأخلاق
الفاضلة والآداب الكاملة والمعاملات العظيمة الكريمة المباركة ، وهذه الآية
آية جامعة بل قال عنها بعض أهل العلم إنها أجمع آية في هذا الباب{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
اشتملت على ثلاث ركائز في باب الأدب والمعاملات
الأولى : قوله عز وجل (( خذ العفو ))
وهذا
فيه بيان أن أخلاق الناس وطبائعهم ليست واحدة بل هم متفاوتون ، منهم
الهادئ السمح المتّزن الخلوق الرفيق اللطيف الليّن ، ومنهم الشديد الغليظ
العنيف ، ومنهم الواقع في الأمور المصادِمة للأخلاق تمام المصادَمة فهم
ليسوا على درجة واحدة ، ومطلوب من المسلم أن يهيئ نفسه في ملاقاته للناس
ومقابلته لهم واحتكاكه بهم أن يهيئ نفسه للتعامل مع أصناف وأجناس وأخلاق
متباينات ، فمن يعاملهم ليسوا على مستوى واحد بل تفاوت ولهذا جاء هذا التوجيه المبارك
(( خذ العفو ))أي ماسمحَت به أخلاق الناس وأحوالهم وطبائعهم خذ العفو ولا تنتظر المثالية في الأخلاق
من كل من تلقاه وكل من تتعامل معه بل الناس فيهم في هذا الباب تفاوت عظيم
فإذا هيئت نفسك هذه التهيئة أن تأخذ بالعفو وما سمحت به أخلاق الناس وتَيسر
لهم القيام به سعدت في هذه الحياة أما إذا كنت تنتظر من كل من تلقاه أن
يكون مثالياً في أخلاقه وفي تعاملاته لن تجد ذلك لأن الناس طبائع وأجناس
منهم سريع الغضب منهم سريع الإنفعال منهم الهادي منهم الرزين منهم العنيف
منهم الغليظ منهم ... إلى آخره فهيئ نفسك لملاقاة هذه الأنواع والأصناف
المتباينة من الأخلاق وخذ ما سمحت به نفوس الناس منها .
(( وأمر بالعرف)) :
أيضاً عندما تأخذ بما سمحت به أخلاق الناس أيضاً كن داعياً رفيقاً ناصحاً
موجهاً بالرفق واللين واللطف إلى كل فضيلة وإلى كل خير ، خذ العفو وفي
الوقت نفسه مُرّ بالعرف أي بالمعروف من كل قول طيب فاضل وفعل كريم ندي
ويكون التوجيه رفيقاً من قلب ناصح حريص على دلالة الناس وهدايتهم إلى الخير
فيلقى الناس بالصبر على أخلاقهم وفي الوقت نفسه يحسن التوجيه للناس ، يلقى
الناس بالصبر على أخلاقهم لأن من لا يصبر على أخلاق الناس ليس مؤهلاً
لدعوتهم ، فالدعوة تحتاج إلى صبر على أخلاق الناس المتفاوتة المتباينة ولهذا قال : ((خذ العفو وأمر بالعرف )) فيتلقى أخلاق الناس باللين اللطف المسامحة غض الطرف حُسن التعامل وأمر بالعرف : في الوقت نفسه تكون موجهاً .
الشخص
الغليظ على سبيل المثال إذا وفقه الله سبحانه وتعالى بشخص يصبر قليلاً على
غلظته وفي الوقت نفسه يحسن توجيهه ودلالته برفق ولين بمثل هذا الصبر
والدعوة تأتي الثمار بإذن الله تبارك وتعالى أما إذا كان إنسان لا يتحمل
ولا يصبر ولا يحسن التلطف بالآخرين والرفق بهم وحسن توجيههم ودلالتهم كما
قدمت ليس مؤهلاً لدعوتهم قد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْكُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }
ثم الأمر الثالث في الآية قال :((وأعرض عن الجاهلين ))
وهذا
أيضا مطلب عظيم في باب الأخلاق وجوامع الآداب ( أن تعرض عن الجاهل ) بمعنى
أن لا تقف عند عباراته الجاهلة وألفاظه النابية وكلماته السيئة ومعاملاته
الفظة الغليظة ، لا تقف عند هذه التعاملات ولا تلقي لها بالاً بل أعرض عن
جهل الجاهلين وروّض نفسك على ذلك، أما إذا وقف الإنسان مع جهالة الجهال
ورعوناتهم وسوء تصرفاتهم ، إذا وقف مع ذلك فإنه يتعب في هذه الحياة ويعاني
معاناة شديدة إن لم يتحول إلى – أيضا- جاهل مثلهم فيجهل عليهم بمثل جهلهم
عليه
ربما يتحول إلى ملاقاته بجهل أشد من جهله عليه ، ولهذا، الطريقة المثلى أن يعرض الإنسان عن الجاهل
ولقد أمُرّ على السّفيه يسبّني فأمرّ ثمّة وأقول لا يعنيني
فالإعراض عن الجاهلين وعدم الوقوف عند جهلهم أو كلماتهم السيئة وألفاظهم النابية هو الذي يريح الإنسان من معاناة في هذه الحياة .
وإذا
مضيت في ملاقاة الناس وفي تعاملهم ستجد من يسيء لك التعامل ، من يرفع عليك
الصوت ، من يغلظ، فإذا كنت تريد أن تقف مع كل متعامل من هؤلاء وتصغي إلى
ما يقوله وترهق نفسك بمتابعة أقواله قال كذا وقال كذا وقال كذا وتنبري
للمجابهة فهذا يرهقك ويؤلم قلبك وربما يجلب لك في نفسك الهم والغم
بينما
إذا أعرضت عن الجاهل وقلت في نفسك هذا مبتلى بالجهل مبتلى بهذا وأنا
عافاني الله من ذلك تحمد الله الذي عافاك من مثل هذه المعاملات وتمضي في حياتك بمثل ذلك تسعد وفي الوقت نفسه تساعد الجاهل على مراجعة نفسه
، إذا أعرضت عن ألفاظه وسوء تصرفاته تساعده على مراجعة نفسه ولهذا كم من
الجاهلين بمثل هذه المعاملة تراجع ، ولو أن من عاملهم جابههم لتفاقم الأمر
ولعَظُم الخطب
وقد كان من هدي نبينا - عليه الصلاة والسلام - إذا خرج من بيته يقول :" اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل أو أَزل أو أُزل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يجهل علي "وهذه
الدعوات العظيمة المباركة التي كان يدعو بها - عليه الصلاة والسلام -
مناسبة لحال كل من خرج من بيته ويحتاج إليها كل من خرج من بيته لماذا ؟
لأنه
سيواجه أجناس من المتعاملين وأصناف من الأخلاق وأنواع من التعاملات ،
فيحتاج إلى حسن التجاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يعيذه من أن يَضل أو
يُضل أو يَزل أو يُزل أو يَظلم أو يُظلم أويَجهل أو يُجهل عليه فيستعيذ
بالله سبحانه وتعالى من ذلك كله ويمضي هو في تعاملاته مع الناس في مثل هذه
التوجيهات المباركة العظيمة في هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات
والأحاديث التي تدعو إلى كوامل الآداب وجوامع الأخلاق .
اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا
سيئها إلا أنت والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله
وصحبه أجمعين
المصدر : شبكة سحاب السلفية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد
لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :
أيها الإخوة الكرام وقفة نقفها متأملين في قول ربنا عز وجل { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
فهذه
الآية المباركة العظيمة أتت - كما قال أهل العلم - على جماع الأخلاق وزمام
الآداب ، ومن وفقه الله عز وجل بتدبر هذه الآية وفهمها والعمل بها وُفق
بجماع الخلق ووفق بزمام الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في تعاملاته
مع الناس
ومن
زينة شريعتنا شريعة الإسلام وجمالها وكمالها أنها هدت العباد إلى الأخلاق
الفاضلة والآداب الكاملة والمعاملات العظيمة الكريمة المباركة ، وهذه الآية
آية جامعة بل قال عنها بعض أهل العلم إنها أجمع آية في هذا الباب{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
اشتملت على ثلاث ركائز في باب الأدب والمعاملات
الأولى : قوله عز وجل (( خذ العفو ))
وهذا
فيه بيان أن أخلاق الناس وطبائعهم ليست واحدة بل هم متفاوتون ، منهم
الهادئ السمح المتّزن الخلوق الرفيق اللطيف الليّن ، ومنهم الشديد الغليظ
العنيف ، ومنهم الواقع في الأمور المصادِمة للأخلاق تمام المصادَمة فهم
ليسوا على درجة واحدة ، ومطلوب من المسلم أن يهيئ نفسه في ملاقاته للناس
ومقابلته لهم واحتكاكه بهم أن يهيئ نفسه للتعامل مع أصناف وأجناس وأخلاق
متباينات ، فمن يعاملهم ليسوا على مستوى واحد بل تفاوت ولهذا جاء هذا التوجيه المبارك
(( خذ العفو ))أي ماسمحَت به أخلاق الناس وأحوالهم وطبائعهم خذ العفو ولا تنتظر المثالية في الأخلاق
من كل من تلقاه وكل من تتعامل معه بل الناس فيهم في هذا الباب تفاوت عظيم
فإذا هيئت نفسك هذه التهيئة أن تأخذ بالعفو وما سمحت به أخلاق الناس وتَيسر
لهم القيام به سعدت في هذه الحياة أما إذا كنت تنتظر من كل من تلقاه أن
يكون مثالياً في أخلاقه وفي تعاملاته لن تجد ذلك لأن الناس طبائع وأجناس
منهم سريع الغضب منهم سريع الإنفعال منهم الهادي منهم الرزين منهم العنيف
منهم الغليظ منهم ... إلى آخره فهيئ نفسك لملاقاة هذه الأنواع والأصناف
المتباينة من الأخلاق وخذ ما سمحت به نفوس الناس منها .
(( وأمر بالعرف)) :
أيضاً عندما تأخذ بما سمحت به أخلاق الناس أيضاً كن داعياً رفيقاً ناصحاً
موجهاً بالرفق واللين واللطف إلى كل فضيلة وإلى كل خير ، خذ العفو وفي
الوقت نفسه مُرّ بالعرف أي بالمعروف من كل قول طيب فاضل وفعل كريم ندي
ويكون التوجيه رفيقاً من قلب ناصح حريص على دلالة الناس وهدايتهم إلى الخير
فيلقى الناس بالصبر على أخلاقهم وفي الوقت نفسه يحسن التوجيه للناس ، يلقى
الناس بالصبر على أخلاقهم لأن من لا يصبر على أخلاق الناس ليس مؤهلاً
لدعوتهم ، فالدعوة تحتاج إلى صبر على أخلاق الناس المتفاوتة المتباينة ولهذا قال : ((خذ العفو وأمر بالعرف )) فيتلقى أخلاق الناس باللين اللطف المسامحة غض الطرف حُسن التعامل وأمر بالعرف : في الوقت نفسه تكون موجهاً .
الشخص
الغليظ على سبيل المثال إذا وفقه الله سبحانه وتعالى بشخص يصبر قليلاً على
غلظته وفي الوقت نفسه يحسن توجيهه ودلالته برفق ولين بمثل هذا الصبر
والدعوة تأتي الثمار بإذن الله تبارك وتعالى أما إذا كان إنسان لا يتحمل
ولا يصبر ولا يحسن التلطف بالآخرين والرفق بهم وحسن توجيههم ودلالتهم كما
قدمت ليس مؤهلاً لدعوتهم قد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْكُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }
ثم الأمر الثالث في الآية قال :((وأعرض عن الجاهلين ))
وهذا
أيضا مطلب عظيم في باب الأخلاق وجوامع الآداب ( أن تعرض عن الجاهل ) بمعنى
أن لا تقف عند عباراته الجاهلة وألفاظه النابية وكلماته السيئة ومعاملاته
الفظة الغليظة ، لا تقف عند هذه التعاملات ولا تلقي لها بالاً بل أعرض عن
جهل الجاهلين وروّض نفسك على ذلك، أما إذا وقف الإنسان مع جهالة الجهال
ورعوناتهم وسوء تصرفاتهم ، إذا وقف مع ذلك فإنه يتعب في هذه الحياة ويعاني
معاناة شديدة إن لم يتحول إلى – أيضا- جاهل مثلهم فيجهل عليهم بمثل جهلهم
عليه
ألا لا يجهل أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين
ربما يتحول إلى ملاقاته بجهل أشد من جهله عليه ، ولهذا، الطريقة المثلى أن يعرض الإنسان عن الجاهل
ولقد أمُرّ على السّفيه يسبّني فأمرّ ثمّة وأقول لا يعنيني
فالإعراض عن الجاهلين وعدم الوقوف عند جهلهم أو كلماتهم السيئة وألفاظهم النابية هو الذي يريح الإنسان من معاناة في هذه الحياة .
وإذا
مضيت في ملاقاة الناس وفي تعاملهم ستجد من يسيء لك التعامل ، من يرفع عليك
الصوت ، من يغلظ، فإذا كنت تريد أن تقف مع كل متعامل من هؤلاء وتصغي إلى
ما يقوله وترهق نفسك بمتابعة أقواله قال كذا وقال كذا وقال كذا وتنبري
للمجابهة فهذا يرهقك ويؤلم قلبك وربما يجلب لك في نفسك الهم والغم
بينما
إذا أعرضت عن الجاهل وقلت في نفسك هذا مبتلى بالجهل مبتلى بهذا وأنا
عافاني الله من ذلك تحمد الله الذي عافاك من مثل هذه المعاملات وتمضي في حياتك بمثل ذلك تسعد وفي الوقت نفسه تساعد الجاهل على مراجعة نفسه
، إذا أعرضت عن ألفاظه وسوء تصرفاته تساعده على مراجعة نفسه ولهذا كم من
الجاهلين بمثل هذه المعاملة تراجع ، ولو أن من عاملهم جابههم لتفاقم الأمر
ولعَظُم الخطب
وقد كان من هدي نبينا - عليه الصلاة والسلام - إذا خرج من بيته يقول :" اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل أو أَزل أو أُزل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يجهل علي "وهذه
الدعوات العظيمة المباركة التي كان يدعو بها - عليه الصلاة والسلام -
مناسبة لحال كل من خرج من بيته ويحتاج إليها كل من خرج من بيته لماذا ؟
لأنه
سيواجه أجناس من المتعاملين وأصناف من الأخلاق وأنواع من التعاملات ،
فيحتاج إلى حسن التجاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يعيذه من أن يَضل أو
يُضل أو يَزل أو يُزل أو يَظلم أو يُظلم أويَجهل أو يُجهل عليه فيستعيذ
بالله سبحانه وتعالى من ذلك كله ويمضي هو في تعاملاته مع الناس في مثل هذه
التوجيهات المباركة العظيمة في هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات
والأحاديث التي تدعو إلى كوامل الآداب وجوامع الأخلاق .
اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا
سيئها إلا أنت والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله
وصحبه أجمعين
الشيخ عبد الرزاق العباد البدر حفظه الله
المصدر : شبكة سحاب السلفية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى