منتديات قلتة سيدي سعد
اللهم صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
مرحبا بك في منتديات قلتة سيدي سعد
ندعوك للانضمام الى اسرتنا الرائعة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات قلتة سيدي سعد
اللهم صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
مرحبا بك في منتديات قلتة سيدي سعد
ندعوك للانضمام الى اسرتنا الرائعة
منتديات قلتة سيدي سعد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث ما ذئبان جائعان

اذهب الى الأسفل

اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث ما ذئبان جائعان Empty اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث ما ذئبان جائعان

مُساهمة من طرف المدير العام الثلاثاء يوليو 24, 2012 2:36 am

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث ما ذئبان جائعان

قال الترمذي: حدَّثنا سويد بن نصر[1]، أخبَرنا عبدالله بن المبارك[2]، عن زكريا بن أبي زائدة[3]، عن محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زُرَارة[4]، عن ابن كعب بن مالك الأنصاري[5]، عن أبيه قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنَمٍ، بأفسَدَ لها من حِرص المرء على المالِ والشرف لدينه)).
تخريج الحديث:
أخرَجه الترمذي (2376)، واللفظ له، وعبدالله بن المبارك في "الزُّهد" (181)، وابن أبي شَيْبة (13/ 241)، والدارمي (2733)، وأحمد (15784، 15794)، والبيهقي في "شُعَب الإيمان" (7/ 267)، وابن حِبَّان (3228)، كلُّهم عن زكريا بن أبي زائدة، عن محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زُرارة، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه - رضي الله عنه - مرفوعًا.
درجة الحديث:
صحيح، ولا يضرُّ عدمُ تعيين ابن كعب بن مالك، وسواء كان هو عبدالرحمن، أو عبدالله، فكلٌّ منهما ثِقَةٌ، وقد صحَّح الحديثَ الإمامُ الترمذي، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح"، وقد وافَقه على ذلك مجموعةٌ من الأئمَّة؛ مثل: النووي في "رياض الصالحين"، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة في "الفتاوى"، والبغوي في "شرح السُّنة"، والمُنذري في "الترغيب"، ومن المعاصرين: الشيخ الألباني في غير واحدٍ من كُتبه.
أمَّا عَنْعنة زكريا بن أبي زائدة، فقد صرَّحَ بالتحديث كما في "التاريخ الكبير"؛ للبخاري[6].
شواهد الحديث:
لهذا الحديث شواهدُ كثيرة؛ منها:
1- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلفظ: ((ما ذئبان ضاريان في زَريبةِ غنمٍ، بأسرعَ فيها من حبِّ الشرف والمال في دين المرء المسلم))؛ أخرجه القُضاعي في "مسند الشهاب" (2/ 26، 811)، والطبراني في "الأوسط" (772) بإسنادٍ جيد كما قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (7251).

2- حديث أسامة بن زيد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ذئبان ضاريان باتَا في حظيرةٍ فيها غَنَمٌ، يَفترسان ويأكلان، بأسرعَ فسادًا من طلب المال والشرف في دين المسلم)).
أخرَجه الطبراني في "الصغير" (943)، والضياء في "الأحاديث المختارة" (4/ 112)، رقْم (1323)، وقال: إسناده صحيح.

3- حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ذئبان ضاريان باتا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حبِّ ابن آدمَ الشرفَ والمال)).
أخرَجه الطبراني في الكبير (10/ 319)، رقْم (10778)، وأخرَجه أيضًا في الأوسط (1/260)، رقْم (851)، قال الهيثمي في "المَجمع" (10/ 250): "فيه عيسى بن ميمون، وهو ضعيفٌ وقد وثِّقَ".
4- حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((ما ذئبان ضاريان في حظيرةٍ وثيقة، يأكلانِ ويَفترسان، بأسرعَ فيها من حبِّ الشرف وحبِّ المال في دين المسلم)).
أخرَجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (48/ 460)، وقال الترمذي في "الجامع" (2376): "ولا يَصِحُّ إسنادُه".
غريب الحديث:
الحِرْص: الرغبة الشديدة في الشيء، والشَّرَه إليه.
الشَّرَف: المكانة العالية، والجاه والهَيْبة.
الحَظِيرة: الموضع الذي يُحاط عليه - لتَأْوي إليه الماشيةُ - يَقِيها البردَ والرِّيح.
شرح الحديث مختصرًا:
ومعنى الحديث: ليس ذئبان جائعان أُرْسِلا في جماعةٍ من جنس الغنم، بأشدَّ إفسادًا لتلك الغَنم من حِرْص المرء على المال والجاه - بطُرق غير مشروعة - فإنَّ إفسادَه لدين المرء أشدُّ من إفساد الذئبين الجائعين لجماعةٍ من الغَنم إذا أُرْسِلا فيها.
أمَّا المال، فإفسادُه أنه نوعٌ من القدرة، يُحَرِّك داعية الشهوات، ويَجرُّ إلى التنعُّم في المباحات، فيصير التنعُّم مألوفًا، ورُبَّما يَشتدُّ أُنسه بالمال، ويَعجِز عن كَسْب الحلال، فيَقتحم في الشُّبهات مع أنها مُلْهِية عن ذِكر الله تعالى، وهذه لا يَنْفَكُّ عنها أحدٌ.
وأمَّا الجاه، فيكفي به إفسادًا أنَّ المال يُبذل للجاه، ولا يُبذل الجاه للمال، وهو الشِّرك الخَفِي، فيخوض في المُراءاة والمُداهنة، والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسدُ وأفسد[7].

فقه الحديث وفوائده:
1- في الحديث حثٌّ على التزهُّد من هذين الشيئين؛ ولهذا أورَده بعضُ الأئمَّة في كُتبهم حول "الزهد"؛ مثل: ابن المبارك، وهَنَّاد بن السري.

2- قال ابن تيميَّة[8]: "أقسامُ الناس في طلب الجاه والمال - في هذا الحديث - أربعة:
القسم الأول: يريدون العُلوَّ على الناس والفساد في الأرض بمعصية الله، وهؤلاء هم الملوك والرؤساء المفسدون؛ كفرعون وحِزبه، وهؤلاء هم شرُّ الخَلق؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].

وروى مسلم في "صحيحه" عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرة من كِبرٍ، ولا يدخل النارَ مَن في قلبه ذرَّة من إيمان))، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني أحبُّ أن يكون ثوبي حسنًا ونَعلي حسنًا، أفمن الكبر ذاك؟ قال: ((لا؛ إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال، الكِبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس))، فبَطَر الحقِّ: دَفْعه وجَحْده، وغَمْطُ الناس: احتقارهم وازدراؤهم، وهذا حال مَن يريد العُلوَّ والفساد.

والقسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا عُلوٍّ؛ كالسُّرَّاق المجرمين من سفلة الناس.

والقسم الثالث: يريد العُلوَّ بلا فسادٍ، كالذين عندهم دينٌ يريدون أن يَعلوا به على غيرهم من الناس.

والقسم الرابع: فهم أهل الجنة الذين لا يريدون عُلوًّا في الأرض ولا فسادًا، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، وقال: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].

فإذا كان المقصود بالسلطان والمال التقرُّب إلى الله، وإنفاق ذلك في سبيله - كان ذلك صلاح الدين والدنيا، وإن انفرَد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان - فسَدَت أحوال الناس، وإنما يَمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنيَّة والعمل الصالح؛ كما في "الصحيحين" عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لا ينظر إلى صُوَركم، ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم)).

ولَمَّا غلَب على كثيرٍ من وُلاة الأمور إرادةُ المال والشرف، صاروا بمعزلٍ عن حقيقة الإيمان وكمال الدين، ثم منهم مَن غلَّب الدين، وأعرَض عمَّا لا يَتِمُّ الدِّين إلاَّ به من ذلك، ومنهم مَن رأى حاجته إلى ذلك، فأخَذه مُعرضًا عن الدين؛ لاعتقاده أنه منافٍ لذلك، وصار الدين عنده في محلِّ الرحمة والذل، لا في محلِّ العُلو والعز، وكذلك لَمَّا غلَب على كثيرٍ من أهل الديانتين العجزُ عن تكميل الدين، والجَزَع لِما قد يُصيبهم في إقامته من البلاء، استَضَعْفَ طريقتهم واستذلَّها مَن رأى أنه لا تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها، وهاتان السبيلان الفاسدتان - سبيل مَن انتسَب إلى الدين، ولَم يُكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل مَن أقبَل على السلطان والمال والحرب، ولَم يقصد بذلك إقامة الدين - هما سبيل المغضوب عليهم والضالين؛ الأولى للضالين النصارى، والثانية للمغضوب عليهم اليهود.

وإنما الصراط المستقيم - صراط الذين أنعَم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين، والشهداء والصالحين - هي سبيل نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسبيل خلفائه وأصحابه، ومَن سلَك سبيلهم، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

فالواجب على المسلم أن يَجتهد في ذلك حسب وُسعه، فمَن وَلِي ولاية يَقصد بها طاعة الله وإقامة ما يُمكنه من دينه، ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يُمكنه من تَرْك المحرَّمات - لَم يؤاخذ بما يَعجِز عنه؛ فإن تولية الأبرار خيرٌ للأُمَّة من تولية الفُجَّار، ومَن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد، ففعَل ما يَقْدِر عليه من النصيحة بقلبه، والدعاء للأُمَّة ومحبَّة الخير، وفعَل ما يَقْدر عليه من الخير - لَم يُكَلَّف ما يَعجِز عنه؛ فإن قِوام الدين الكتاب الهادي والحديث الناصر؛ كما ذكرَه الله تعالى.

فعلى كلِّ أحد الاجتهاد في إيثار القرآن والحديث لله تعالى، ولطلب ما عنده، مُستعينًا بالله في ذلك، ثم الدنيا تَخدم الدين؛ كما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا ابن آدمَ، أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوجُ، فإن بدَأت بنصيبك من الآخرة، مُرَّ بنصيبك من الدنيا، فانْتَظِمْها انتظامًا، وإن بدَأت بنصيبك من الدنيا، فاتَك نصيبك من الآخرة، وأنت من الدنيا على خَطَرٍ"؛ا.هـ.

3- فيه دليل أنَّ طلبَ الجاه والمال - مما يُخالط النفوس من الشهوات الخفيَّة – يُفسد عليها تحقيقَ محبَّتها لله وعبوديَّتها له، وإخلاص دينها.

4- الحديث يُبيِّن أنَّ الدِّين السليم لا يكون فيه هذا الحرص؛ وذلك أنَّ القلب إذا ذاقَ حلاوة عبوديَّته لله ومحبَّته له - لَم يكن شيءٌ أحبَّ إليه من ذلك؛ حتى يُقَدِّمه عليه، وبذلك يُصرَف عن أهل الإخلاص لله السوءُ والفحشاء[9].

5- فيه دليل أنَّ الذي يُعاقَب الرجلُ عليه، الحبُّ الذي يَستلزم المعاصي، فإنه يَستلزم الظلم والكذب والفواحش، ولا ريبَ أنَّ الحرص على المال والرِّياسة يُوجِب هذا.

6- فأمَّا مجرَّد الحب الذي في القلب - إذا كان الإنسان يَفعل ما أمرَه الله به، ويَترك ما نهى الله عنه، ويَخاف مقام ربِّه، ويَنهى النفس عن الهوى - فإنَّ الله لا يُعاقبه على مثل هذا، إذا لَم يكن معه عملٌ، وجَمْعُ المال - إذا قام بالواجبات فيه، ولَم يَكتسبه من الحرام - لا يُعاقَب عليه[10].

7- فذَمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرص على المال والشرف وهو الرياسة والسلطان، وأخبَر أنَّ ذلك يُفسد الدين مثل أو فوق إفساد الذئبين الجائعين لزَريبة الغنم، وهذا دليلٌ على أنَّ هذا الحرص إنما ذُمَّ؛ لأنه يُفسد الدين الذي هو الإيمان والعمل الصالح، فكان تَرْكُ هذا الحرص لصالح العمل[11].
8- فيه أنَّ المقصود بذمِّ المال والجاه هو ذَمُّ الرِّياء، وحيث ذُمَّ الرياء، فهو ذَمُّ الجاه؛ إذ الرِّياء مقصوده اجْتِلاب القلوب، ومعنى الجاه: ملكُ القلوب، وإنما كَثُر هذا وقلَّ ذاك؛ لأن الناس أكثرهم جُهَّال بطريق الرقية لحَيَّة المال، وطريق الغوص في بحر الجاه، فوجَب تحذيرُهم، فإنهم يَهلكون باسم المال قبل الوصول إلى تِرْياقه، ويُهلكهم تمساحُ بحر الجاه قبل العثور على جواهره[12].

9- وضَع الله الحرص في الآدمي، ثم ذَمَّه في المؤمنين بزمام التوحيد واليقين، وقطَع علائق الحرص بنور السُّبُحات، فمَن كان حظُّه من نور اليقين ونور السُّبُحات أوفرَ، كان وثاق حِرصه أوثقَ، والحرص محتاج إليه الآدمي، ولكن بقدرٍ معلوم، فإذا لَم يكن لحِرصه وثاقٌ، تعدَّى القدر الذي يحتاج إليه، فأفسَده[13].

10- قال وهب بن مُنبِّه: من اتِّباع الهوى الرغبة في الدنيا، ومن الرغبة فيها حبُّ المال والشرف، ومن حب المال والشرف استحلال المحارم[14].

11- هذا الحديث مَثَل عظيمٌ جدًّا ضرَبه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأنَّ فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغَنم بذئبين جائعين ضاريين، باتا في الغنم قد غاب عنها رِعاؤها ليلاً، فهما يأكلان في الغنم، ويَفترسان فيها، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين - والحالة هذه - إلا قليلٌ، فأخبَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ حِرص المرء على المال والشرف إفسادٌ لدينه، ليس بأقلَّ من إفساد الذئبين لهذه الغنم، بل إمَّا أن يكون مساويًا، وإمَّا أكثر.
يشير إلى أنه لا يَسلم من دين المسلم مع حِرْصه على المال والشرف في الدنيا إلاَّ القليل، فهذا المثَلُ العظيم يتضمَّن غاية التحذير من شرِّ الحِرص على المال والشرف في الدنيا[15].

12- قال ابن رجب: ولو لَم يكن في الحرص على المال إلاَّ تضييع العُمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد يُمكن صاحبه فيه اكْتَساب الدرجات العُلى والنعيم المُقيم، فضيَّعه بالحِرص في طلب رزقٍ مضمون مقسوم، لا يأتي منه إلاَّ ما قُدِّر وقُسِّم، ثمَّ لا يَنتفع به، بل يَتركه لغيره، ويَرتحل عنه، فيبقى حسابه عليه، ونَفعه لغيره، فيَجمع لِمَن لا يَحمده، ويقدم على مَنْ لا يَعذِره - لكَفاه بذلك ذمًّا للحرص، فالحريص يُضيِّع زمانه الشريف، ويُخاطر بنفسه التي لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار؛ لجَمْع مالٍ يَنتفع به غيرُه[16].

13- قال المناوي: مقصود الحديث: الحرص على المال والشرف أكثر فسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لاستدعاء ذلك العُلو والفساد في الأرض.

14- الحديث نصٌّ قاطع في ذمِّ البخل والطمع، والترهيب من فتنة المال والجاه.

15- غوائل المال وآفاته، تَنقسم إلى دينيَّة ودنيويَّة:
أمَّا الدينية، فثلاث فئات:
الأولى: أنه يَجرُّ إلى المعاصي غالبًا؛ لأنه مَن استشعَر القدرة على المعصية، انبعثَت داعيته إليها، والمال نوع من القدرة، يُحَرِّك داعيته إلى المعاصي، ومتى يَئِس الإنسان من المعصية، لَم تتحرَّك داعيته إليها.

ومن العصمة ألاَّ تجد، فصاحب القدرة إن اقتَحم ما يَشتهي هَلَك، وإن صبَر، لَقِي شدَّةً في معاناة الصبر مع القدرة، وفتنة السرَّاء أعظم من فتنة الضرَّاء.

الثانية: أنه يُحَرِّك إلى التنعُّم في المباحات؛ حتى تصير له عادةً وإلفًا، فلا يَصبر عنها، وربما لَم يَقدر على استدامتها إلاَّ بكَسْبٍ فيه شُبهة، فيَقتحم الشُّبهات، ويترقَّى إلى آفات من المُداهنة والنفاق؛ لأن من كَثُر ماله، خالَط الناس، وإذا خالَطهم لَم يَسلم من نفاقٍ وعداوةٍ، وحسدٍ وغِيبةٍ، وكلُّ ذلك من الحاجة إلى إصلاح المال.
الثالثة: وهى التي لا يَنفكُّ عنها أحد، وهو أن يُلْهِيَه ماله عن ذِكر الله تعالى، وهذا هو الداء العُضال؛ فإن أصل العبادات ذِكرُ الله تعالى، والتفكير في جلاله وعَظَمته، وذلك يَستدعي قلبًا فارغًا، وصاحب الضَّيْعة يُمسي ويُصبح مُتفكِّرًا في خصومة الفلاَّحين، ومحاسبتهم وخيانتهم، ويتفكَّر في منازعة شركائه في الحدود والماء، وأعوان السلطان في الخَراج، والأُجَراء على التقصير في العمارة، ونحو ذلك، وصاحب التجارة يُمسي ويُصبح مُتفكِّرًا في خيانة شريكه، وتقصيره في العمل، وتَضْيعه المالَ، وكذا سائرُ أصناف المال، حتى صاحب المال المجموع المكنوز، يُفَكِّر في كيفيَّة حِفظه، وفي الخوف عليه، ومَن له قوتُ يومٍ بيوم، فهو في سلامة من جميع ذلك، وهذا سوى ما يُقاسيه أربابُ الأموال في الدنيا؛ من الخوف والحزن، والهمِّ والغَمِّ والتَّعب، فإذًا تِرياق المال أخْذُ القوت منه، وصَرْف الباقي إلى الخيرات، وما عدا ذلك سُموم وآفات[17].
16- هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول التربية الإيمانية؛ وذلك أنَّ المسلم لا يَستشرف ويَجعل همَّه المال والجاه والمنصب، وإنما يَعكف على القيام بما فرَض الله عليه، وإصلاح الأُمَّة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فعند ذلك يرفع الله مكانته، ويعزُّ جاهَه، ويَجعل له لسانَ صدق ومقعد صدقٍ في العالمين.
هذا، وأسأل العظيم أن يَقِيَنا هاتين الصفتين الذميمتين، وأن يُثبِّتَنا على الإسلام والسُّنة، وأن يُمِيتَنا على ذلك.
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصَحْبه أجمعين
والحمد لله ربِّ العالمين




[1] هو سويد بن نصر بن سويد المروزي، ثقة من العاشرة، وهو راوية ابن المبارك؛ التقريب (2699).
[2] هو الإمام الحُجَّة عبدالله بن المبارك المَروزي، ثقة ثَبتٌ، فَقيه عالِم، جَوَاد مُجاهد؛ التقريب (3570).
[3] هو زكريا بن أبي زائدة، هُبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة، وكان يُدَلِّس؛ التقريب (2020).
[4] هو محمد بن عبدالرحمن بن سعد بن زُرارة الأنصاري، ثِقة من السادسة؛ التقريب (6074).
[5] ابن كعب بن مالك: هو عبدالرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري، أبو الخطاب المدني، ثقة من كبار التابعين؛ التقريب (3991).
[6] (1/ 150، 443).
[7] تحفة الأحوذي؛ للمباركفوري (7/ 39).
[8] السياسة الشرعية؛ لابن تيميَّة ص (217 - 219).
[9] العبودية؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة (ص/ 57).
[10] الفتاوى الكبرى؛ لابن تيميَّة (5/ 130).
[11] مجموع الفتاوى (20/ 142 - 143).
[12] إحياء علوم الدين؛ للغزالي (5/ 468).
[13] نوادر الأصول في أحادي الرسول؛ لمحمد بن علي بن الحسن، أبي عبدالله الحكيم الترمذي (4/ 212)؛ تحقيق عبدالرحمن عميرة، دار الجيل للنشر: بيروت 1992م.
[14] شرح حديث (ما ذئبان جائعان))؛ لابن رجب ص (71).
[15] الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لعلي محمد الصلابي ص (331)؛ الموسوعة الشاملة، الإصدار الثالث.
[16] شرح حديث (ما ذئبان جائعان)؛ لابن رجب ص (22).
[17] مختصر منهاج القاصدين ص (64).




دمتم برعاية الرحمن وحفظه
شبكة الالوكة
المدير العام
المدير العام
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 1213
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 09/02/2011
العمر : 33
الموقع : https://gueltat.alafdal.net

https://gueltat.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى